هل حقًا يستخدم الإنسان 10% من طاقة دماغه فحسب؟!

لطالما تساءلنا: هل حقًا يستخدم الإنسان 10% من طاقة دماغه فحسب؟!
عندما كُنا أطفالًا كثيرًا ما كان يقال لنا أن الإنسان يستخدم 10% أو 7% من دماغه، وأنه لو استخدم دماغه كاملًا فسيحصل على طاقة هائلة. فبعد أن درسنا الطب، هل ما زلنا نظن ذلك؟
في الحقيقة اكتشفنا بعد البحث أن قرابة ثلثي السكان وأكثر من نصف الأساتذة في المدارس يؤمنون بهذه الشائعة التي عمَّت أكثر من قرن بيننا!
يُعتقد أن شائعة العشرة بالمئة ناتج عن سوء فهم لما ذكره العالم ويليام جايمس في كتابه The Energies of Men عام 1907: "نحن لا نستخدم إلا جزءًا صغيرًا من مواردنا العقلية والبدنية الممكنة". كان ويليام جايمس يقصد من قوله بأننا غالبًا لا نشعر بالنشاط الكامل جسديًا وعقليًا، وقد أخفقت الأعراف الاجتماعية والروتين في تفعيل جميع موارد الإنسان. لكنه لم يدّعي بأننا نستخدم فقط جزءًا صغيرًا من دماغنا!
#كيف يمكننا التأكد من صحة الشائعة؟
يمتلك علماء الأعصاب الآن أدوات تقنية لإنشاء الصور وتتبع نشاط الأدمغة الحية أثناء اليقظة أو النوم. وأشهر هذه الفحوصات هي التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). هذه التقنيات، التي أصبحت شائعة الاستخدام في السنوات الخمس والعشرين الماضية، أحدثت ثورة في فهمنا لوظيفة الدماغ.
كيف ستفيدنا هذه التقنيات في معرفة صحة الإشاعة من كذبها؟
كما تعلم، الدماغ يحتاج الغذاء ليعمل. ففي فحوصات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني يُحقن المريض بنوع من أنواع السكر كمتتبع إشعاعي (يمكن تتبعه عن طريق الأجهزة) للكشف عن نشاط الدماغ، فعندما يقوم الدماغ باستهلاك السكر عند العمل يُستقلب هذا المتتبع.
لمَ السكر؟
يعد السكر من موارد الطاقة الأساسية للدماغ.
يُستقلب هذا الكاشف في الدماغ وبذلك تنبعث البوزيترونات ويُقاس نشاط الدماغ. كلما كانت بنية الدماغ أكثر نشاطًا، زاد انبعاث البوزيترونات.
يمكن رصد تلك البوزيترونات المنبعثة من مناطق الدماغ العاملة بمستشعرات من خلال إشعاع غاما (gamma radiation) ومن ثم تُنشئ الحواسيب تمثيل ثلاثي الأبعاد لنشاط الدماغ بناءً على تركيزات المتتبع الإشعاعي في المناطق المختلفة من الدماغ.
"أي أننا نرى بأعيننا أي مناطق الدماغ تعمل وأيها لا تعمل."
إذا كنا فعلًا نستخدم 10% فقط من أدمغتنا، فيجب أن يبدو جزءًا صغيرًا من أدمغتنا نشط في التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، وهذا ليس بصحيح! إذ تُظهر التصويرات بأن الدماغ كله نشط وباستمرار، كذلك في فترات النوم! حتى الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات العصبية التنكسية مثل مرض الألزهايمر ومرض باركنسون لا يزالون يستخدمون أكثر من 10٪ من أدمغتهم.
عسى أن يكون هذا الإيضاح والتفسير العلمي ملهمًا لنا في تصحيح المفاهيم الخاطئة وحافزًا لنا على استخدام العقل واستغلال طاقته في كل ما ينفعنا كما حثّ ديننا الحنيف على ذلك.
فسبحان من علَّم الإنسان: {{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}} [العلق].
إعداد: د. نادين عرب
مراجعة: د. بدر جلب
تدقيق لغوي: محمود أحمد سلامة